ذهبت إلى الشيخ محمد حسان الداعية المشهور، بعد ساعات من قرار إغلاق القنوات الدينية، ومنها قناة «الرحمة» التى يمتلكها، حملت إليه العديد من الاتهامات التى استند إليها قرار الإغلاق، ومنها مسؤولية تلك القنوات عن فوضى الفتاوى، التى قادت إلى الفتنة الطائفية، وغيرها من الاتهامات التى ارتفعت الأصوات فى الآونة الأخيرة بضرورة مواجهتها بحسم، فكانت الاستجابة من الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الإعلام، ومابين هذه الاتهامات ودفاع الشيخ دار الحوار:
فضيلة الشيخ، هناك وجاهة فى الأسباب التى ذكرتها الجهات المعنية لإغلاق القنوات الدينية، لكن كيف تفسرها أنت باعتبارك المالك لقناة الرحمة، ورمزا كبيرا لهذه القنوات؟
قرار الإغلاق فى حد ذاته أيا كان القصد من ورائه ليس حلا للإشكال، ولا يستطيع أحد إنكار أن مصر تعيش خلال الفترة الماضية مناخا من حرية التعبير، ولا أبالغ إن قلت إن قرار الإغلاق كان بمثابة إلغاء لهذا الحد من الحرية، والفكر لا يعالج إلا بالفكر، أما سياسة تكميم الأفواه فتشعل نار التطرف الفكرى بل وأحيانا الحركى، وأنا لا أريد أن اتهم أحدا فى قصده ونيته، وأقول إننا فى قناة الرحمة لم تأت إلينا أى توجيهات ولا إنذارات من تاريخ حصولنا على ترخيص العمل فى شهر يوليو عام 2007، ولم تثبت على «قناة الرحمة» مخالفة واحدة إدارية، أو مهنية، أو قانونية، أو مادية، ولهذا أنا أتساءل: لماذا كان إغلاق قناة الرحمة بلا توجيه أو إنذار.
إذا كان الأمر كذلك، فكيف تفسر قرار الإغلاق؟
أنا لا أحب أن أصدر أحكامى على النيات، لأن النيات لا يعلمها إلا الله عز وجل، والأجدى أن يكون هذا السؤال للذين أصدروا القرار.
شاهدنا فى الفترة الماضية انفلاتا فى خطاب القنوات الدينية، بإصرارها على إصدار فتاوى غريبة، تؤدى إلى كوارث مثل الفتنة الطائفية، وبالتالى جاء قرار الإغلاق بمثابة تصحيح لأوضاع خاطئة.
«الرحمة» منبر دعوى وسطى معتدل، يؤدى وظيفته الدعوية بحرفية ومهنية، ولا يستطيع أى منصف متابع أن يدّعى غير ما أقول، ليس معنى ذلك أننى أدعى العصمة والكمال، فالعصمة قد دفنت يوم دفن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا حرج أن أخطئ أنا، ويصححنى غيرى من أهل العلم، لكن لماذا لم يأت أحد من أى جهة، ليقول لنا أنكم أخطأتم فى كذا، ويجب عليكم تصحيح المسار، فإذا كان هذا التصحيح لصالح ديننا، وللصالح العام فسنقول له سمعا وطاعة، فنحن لسنا صغارا، وصدقونى لو جاء إلينا من يقول إن هذا يضر بصالح الوطن، كنا سنستجيب على الفور، ولا أبالغ إن قلت إن «قناة الرحمة» كانت صمام أمان لكثير من الأزمات.
أى أزمات كانت «الرحمة» صمام أمان لها؟
مثل الفتنة الطائفية، والفكر المنحرف أخطر منها عندى، ونحن لم نعالجه بألفاظ نابية، وأنا لا أريد أن أذكر مثل تلك الألفاظ التى جاءت على ألسنة بعض مشايخنا، نحن واجهنا الفكر بفكر، والمعتقد بمعتقد.
حتى نكون أكثر تحديدا، ما هى الأزمة التى واجهتموها بالمعايير التى تذكرها؟
حادثة حى الأزهر، وهى أزمة حقيقية عبرت عن فكر منحرف يعانى منه كل بلاد المسلمين، الذى ربما يكون أصحابه لا يقلون عنا فى الغيرة على دينهم، لكن يحتاجون إلى من يصحح لهم فكرهم المنحرف، وهذا التصحيح لا يكون بالسب ولا بالشتم، وإنما بالتوضيح لهؤلاء بأن الكفار ينقسمون إلى أربعة أقسام هى، كافر محارب له أحكام، وكافر معاهد له أحكام، وكافر ذمى له أحكام، وكافر مستأمن له أحكام، والذى دخل إلى بلدنا إنما دخل مستأمنا ومعاهدا، دخل إلينا بما يسمى بـ«الفيزا»، وهى تعد أمانا، وبالتالى لا يجوز لأى أحد أن يطاله، وهذه الأحكام أوضحناها على منبرنا الدعوى من أجل مصلحة وطننا، ولم نقلها تملقا لأحد.
لكن فى المقابل يا فضيلة الشيخ، هناك من ظهر على القنوات الدينية محرضا وداعيا للمسلمين إلى الخروج فى مظاهرات بحجة ما أسموه باختطاف الكنيسة لكاميليا شحاتة؟
قمنا بفتح ملف الفتنة الطائفية، وعالجناه بأمر الله بالضوابط الشرعية، وبلغة هادئة أدت إلى الأثر الطيب، بدليل أن غير المسلمين شهدوا لنا بذلك، لم ندعوا إلى مظاهرات، لأننا نؤمن بأن التغيير يكون بالعودة إلى كتاب الله، ولهذا نقول دائما تصحيح العقيدة، وتصحيح ما فسد فى التعامل معها، هذا إلى جانب إعلاء قيمة العمل والانتاج والإبداع، ثم قلت أنا شخصيا فى قضية الأخت كاميليا شحاتة، إنه لا يمكن إكراه أحد على دخول الإسلام أو أى دين، قال الله تعالى: «لا إكراه فى الدين»، قلت ليس من حق أى أحد أن يلزم أحدا بالدخول فى الإسلام أو أى دين آخر مكرها، وانتهت الأزمة، والشاهد أنه لا يستطيع أحد أن يزايد علينا فى حب بلدنا وحرصنا عليه، ولا أقول ذلك من موقف ضعف واستجداء بسبب الأزمة التى نحن فيها الآن، فأنا أقوله قبل وأثناء أزمة كاميليا شحاتة، وأقوله الآن، فهذا معتقدى الذى لا أحيد عنه.
إذا كان هذا هو منطقكم الواضح والبناء فى مسألة الفتنة الطائفية، لكن فى المقابل كنت كمن يدعو إلى الخروج على القوانين فيما نسب إليكم من فتوى، تدعو فيها من يجد قطعا أثرية فى بيته أن يحتفظ بها، ومع حالة الغضب التى تولدت عن هذه الفتوى، ربما يشعر البعض أن إغلاق «قناة الرحمة» جاء ردا على هذه القضية بكل ما تولد عنها من تداعيات؟
الفتوى واضحة، وألخص ما ذكرته فيها، وهو يعود إلى جماهير أهل العلم، فأنا لا أجرؤ على أن أقول شيئا خارج القرآن والسنة، كما لا أجرؤ على أن أسبق أهل العلم، أنا قلت إن أباحنيفة والشافعى ومالك وأحمد وأبو يوسف، وآخرين قالوا إن ما يخرج من باطن الأرض من مال ومعدن مثل الذهب والفضة والحديد والنحاس والزئبق وغيرها، يسمى ركازا، حكمه إن وجد فى أرضى أنا التى أمتلكها، فهذا حقى ساقه الله سبحانه تعالى إلى، ورزقنى به من حيث لا أحتسب، وقلت إنه ليس من حق مجلس أو من حق دولة، أن يسلبونى هذا الرزق، أما إن وجد هذا فى أرض ملك للدولة، فليس من حق أحد أن يتاجر به أو يسرقه، أما الآثار فقلت عنها أن لولى الأمر أن يقيد بعض المباح للمصلحة العامة، فإن رأت الدولة أن الآثار لا تندرج تحت «الركاز« باعتبارها عملا بشريا وصناعة يدوية، وباعتبارها حضارة للبشرية، وملكا للتاريخ الإنسانى كله، وقلت بصريح العبارة، أنه لا يجوز لأحد أن يتاجر بها لكل الأسباب السابق ذكرها، لكن حمّل كلامى بمعان أخرى، مما اضطرنى إلى إعادة التوضيح، وهذا ليس عيبا.
كلامك عما يستخرج من باطن الأرض ذكرت فيه المعادن، وبالتالى فإنه وعلى سبيل المثال لوجد أحد البترول فى أرضه، قد يستند إلى ما ذكرته ويتمسك بأن هذا حقه.
إذا رأت الدولة أن هذا حق لها، وليس من حق الأفراد، فهذا يكون ملكية عامة، وأرى فى مثل هذه الحالات أن تقوم الدولة بمكافأة هؤلاء الذين ساق لهم هذا الخير مكافأة مجزية، لتكون تشجيعا للأفراد بأن من وجد منهم هذه الأشياء عنده فليبلغ الدولة بها.
هذه فتوى تفتح الحديث عن باب الاجتهاد فى الإسلام، خاصة وأن هناك من يرى أن إغلاقه تسبب فى حالة التضارب التى نشاهدها الآن ونتج عنها حالة الضعف التى نحن عليها.
من رحمة الله عز وجل أن الأصول الشرعية أربعة، الأول هو كتاب الله عز وجل، والثانى السنة الصحيحة الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، والأصل الثالث هو الإجماع حتى لا يجتهد المجتهد فى مسائل الإجماع، وإنما يجتهد فى الخلاف، أما الأصل الرابع فهو القياس، ومعناه أن يرد العالم المجتهد المسكوت عنه إلى المنطوق به، وأن يرد الفروع إلى الأصول، وباب الاجتهاد لم يغلق فهو سيبقى مفتوحا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهناك شروط لمن يجتهد، تتمثل فى أن المجتهد لابد أن يكون عالما بالأدلة والعام والخاص والمحكم والمتشابه، وعالما باللغة وبالناسخ والمنسوخ وغيرها، وإن كنت أرى فى ظل هذه الأيام التى نعيشها، أن زمن العالم الأوحد قد مضى.
ماذا تعنى أن زمن «العالم الأوحد» قد مضى ؟
معناه أنه لم يعد الآن بمستطاع أحد أن يفتى فى كل شىء، ولهذا أنا أثمن فى هذا العصر دور المجامع الفقهية، فهى تستقطب عددا من المتخصصين فى المسائل المبحوثة، كمسألة زراعة الأعضاء، وموت الدماغ، وأرى أنه لا ينبغى لعالم واحد أن يتصدر فى مثل هذه القضايا بالفتوى، وإنما تأتى من متخصصين تجمعهم مجامع فقهية، يعرضون رؤيتهم العلمية فيها، ثم يقوم علماء الشريعة بإصدار الفتوى، فالمفتى لا يصدر فتواه إلا بعلمين هما، الأول فهم الواقع، والثانى فهم الواجب فى الواقع، أى فهم الأدلة الشرعية المسحوبة على واقع المسألة المدروسة.
لم تتحدث عن دور العقل فى الاجتهاد، وهو الدور الغائب الذى يرد البعض إليه أسباب تخلفنا.
الإسلام يقدر دور العقل جدا ويزكيه، بشرط ألا يعلو العقل قدره، وألا يتجاوز حده، فالعقل ليس حاكما على النص، وهذا هو مكمن الخلاف بدقة بين أهل السنة وكل الفرق المخالفة، أهل السنة يرون أن العقل ليس حاكما على النص، بل يجب أن يعمل العقل فى فهم النص وتدبره، ونحن لا ننكر دور العقل، وما أكثر الآيات القرآنية الكريمة التى تذكى العقل ودوره، أما أن نجعله طاغوتا لنحكم به على صريح النقل القرآنى، وصحيح النقل النبوى، فهذا تجاوز كلى لأصول أهل السنة والجماعة.
كيف؟
قد أذكر الآن نصا قرآنيا ونبويا، فتقول لى أنا لا أقبل هذا لأن عقلى ينكره، فأرد عليك بأن عقلى يقدره، وفى هذه الحالة سيأتى السؤال: أى عقل سنأخذ به؟، وبالتالى سنجد دين الله ألعوبة بين العقول، والصحيح فى هذه الحالة أن يعمل العقل فى فهم النص وتدبره، والعودة إلى البحث عن صحته، فإن كان نبويا عليه أن يثبته بالقواعد التى وضعها علماء الحديث المتخصصون من ناحية السند والمتن وغير ذلك.
ما نقصده فى مسألة اجتهاد العقل ليس الاصطدام بالنص الصريح، ولكن هؤلاء الذين يغيّبون العقل وقت النظر إلى المستجدات التى تطرأ على مجتمعاتنا، فحين ينظر هؤلاء إلى تلك المستجدات، قد نجدهم يقيسون الأمر على عصور الإسلام الأولى التى تختلف عما هو الآن.
لوكان ذلك كذلك، لما ظهرت أجوبة بديعة من المجامع الفقهية على كل نازلة من النوازل، التى استجدت فى العصر الحديث، لم يتكلم عنها علماؤنا السابقون، وهذا دليل على أن باب الاجتهاد مازال مفتوحا، لأن الأمة لها متطلبات وحاجات تجدّ كل يوم، فنحن نسابق الزمن.
أعود معك إلى ما طرحته قناة «الرحمة» منذ شهور، حول القول بأن اليهود «أحفاد القردة والخنازير» وهو بقدر ما وصفه البعض بخطأ الاجتهاد فى النص بطريقة أو بأخرى، يرتبط أيضا بالفتنة، ونتج عنه وقف بث القناة على النايل سات، بعدها مباشرة.
حين تم إغلاق «الرحمة» فى المرة الأولى قيل لنا إن هذا الكلام كان ضمن أسباب الغلق، لأنه يعادى السامية، لكن ما أود ذكره الآن لله، أن القول بأن «اليهودأحفاد القردة والخنازير» هو قول خاطئ تماما، فهو قول لا يصح قرآنا ولا سنة ولا اعتقادا، ولا أقول ذلك انهزاما ولا انكسارا، وإنما اعتقادا وتدينا، ففى صحيح مسلم، أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لم يجعل الله تبارك وتعالى لمسخ عقبا ولانسلا»، وبذلك حسم النبى القضية، أما الحكم عليهم بأن منهم من مسخ قرادة وخنازير، فهذا حكم ربى،: «قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله، من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل» صدق الله العظيم، هذا قرآننا لا نخجل منه أبدا، فلقد شاء ربى وقدر، أن يمسخ لا أقول كل أهل القرية الذين اعتدوا يوم السبت، وإنما مسخ الله بعضهم، لأن أهل القرية كما قال أئمتنا انقسموا إلى ثلاث فرق، الأولى هى فرقة الآمرين بالمعروف والناهين لهم عن المنكر، والفرقة الثانية هى فرقة السلبيين الذين نظروا وأعرضوا وأداروا ظهورهم، والفرقة الثالثة هى الفرقة المعتدية التى مكرت وخادعت ربها سبحانه وتعالى وتحايلت على أمر الله.
والشاهد أن الله مسخ المعتدين منهم قردة وخنازير بنص القرآن، وهى عقوبة عادلة لأولئك الذين استهزأوا بحكم الله، ولا نقول أن لهم نسلا، وإنما هؤلاء الذين مسخوا.
ماذا فعلتم من إجراءات لتدارك خطر مثل هذا الكلام الذى لم يضع القصة فى سياقها التاريخى الصحيح، ولم يوضحها بالطريقة التى ذكرتها.
حدث خطأ، وخير الخطائين التوابون، ونحن تداركنا الأمر بالتوجيه والنصح للأخ الذى قال هذا الكلام الذى مازلنا نجنى ثماره حتى الآن.
هناك من يتّهمكم بأن عملكم يأتى ثمرة لعلاقة مع أجهزة الأمن؟
نحن مسلمون ومواطنون نعيش فى هذا البلد، وديننا يلزمنا باحترام القوانين التى يعمل بها، وعدم الخروج عن الضوابط التى تحكم مؤسسات الدولة.
انتم متهمون كتيار سلفى بالترويج للوهابية؟
أولا السلفية ليست حزبا أو جماعة، وإنما منهج يرجع إلى القرآن والسنة بفهم الصحابة رضى الله عنهم، أما أن يختزل البعض السلفية فى الوهابية، فهى مجازفة ومخالفة للحق والحقيقة، وهذا يراد به ختم السلفية بالتشدد، والوهابية ليست حزبا أو جماعة وإنما منسوبة إلى الإمام محمد بن عبدالوهاب الذى ظلم البعض تاريخه.
هذا الخبر نقلا عن جريده اليوم السابع
فضيلة الشيخ، هناك وجاهة فى الأسباب التى ذكرتها الجهات المعنية لإغلاق القنوات الدينية، لكن كيف تفسرها أنت باعتبارك المالك لقناة الرحمة، ورمزا كبيرا لهذه القنوات؟
قرار الإغلاق فى حد ذاته أيا كان القصد من ورائه ليس حلا للإشكال، ولا يستطيع أحد إنكار أن مصر تعيش خلال الفترة الماضية مناخا من حرية التعبير، ولا أبالغ إن قلت إن قرار الإغلاق كان بمثابة إلغاء لهذا الحد من الحرية، والفكر لا يعالج إلا بالفكر، أما سياسة تكميم الأفواه فتشعل نار التطرف الفكرى بل وأحيانا الحركى، وأنا لا أريد أن اتهم أحدا فى قصده ونيته، وأقول إننا فى قناة الرحمة لم تأت إلينا أى توجيهات ولا إنذارات من تاريخ حصولنا على ترخيص العمل فى شهر يوليو عام 2007، ولم تثبت على «قناة الرحمة» مخالفة واحدة إدارية، أو مهنية، أو قانونية، أو مادية، ولهذا أنا أتساءل: لماذا كان إغلاق قناة الرحمة بلا توجيه أو إنذار.
إذا كان الأمر كذلك، فكيف تفسر قرار الإغلاق؟
أنا لا أحب أن أصدر أحكامى على النيات، لأن النيات لا يعلمها إلا الله عز وجل، والأجدى أن يكون هذا السؤال للذين أصدروا القرار.
شاهدنا فى الفترة الماضية انفلاتا فى خطاب القنوات الدينية، بإصرارها على إصدار فتاوى غريبة، تؤدى إلى كوارث مثل الفتنة الطائفية، وبالتالى جاء قرار الإغلاق بمثابة تصحيح لأوضاع خاطئة.
«الرحمة» منبر دعوى وسطى معتدل، يؤدى وظيفته الدعوية بحرفية ومهنية، ولا يستطيع أى منصف متابع أن يدّعى غير ما أقول، ليس معنى ذلك أننى أدعى العصمة والكمال، فالعصمة قد دفنت يوم دفن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا حرج أن أخطئ أنا، ويصححنى غيرى من أهل العلم، لكن لماذا لم يأت أحد من أى جهة، ليقول لنا أنكم أخطأتم فى كذا، ويجب عليكم تصحيح المسار، فإذا كان هذا التصحيح لصالح ديننا، وللصالح العام فسنقول له سمعا وطاعة، فنحن لسنا صغارا، وصدقونى لو جاء إلينا من يقول إن هذا يضر بصالح الوطن، كنا سنستجيب على الفور، ولا أبالغ إن قلت إن «قناة الرحمة» كانت صمام أمان لكثير من الأزمات.
أى أزمات كانت «الرحمة» صمام أمان لها؟
مثل الفتنة الطائفية، والفكر المنحرف أخطر منها عندى، ونحن لم نعالجه بألفاظ نابية، وأنا لا أريد أن أذكر مثل تلك الألفاظ التى جاءت على ألسنة بعض مشايخنا، نحن واجهنا الفكر بفكر، والمعتقد بمعتقد.
حتى نكون أكثر تحديدا، ما هى الأزمة التى واجهتموها بالمعايير التى تذكرها؟
حادثة حى الأزهر، وهى أزمة حقيقية عبرت عن فكر منحرف يعانى منه كل بلاد المسلمين، الذى ربما يكون أصحابه لا يقلون عنا فى الغيرة على دينهم، لكن يحتاجون إلى من يصحح لهم فكرهم المنحرف، وهذا التصحيح لا يكون بالسب ولا بالشتم، وإنما بالتوضيح لهؤلاء بأن الكفار ينقسمون إلى أربعة أقسام هى، كافر محارب له أحكام، وكافر معاهد له أحكام، وكافر ذمى له أحكام، وكافر مستأمن له أحكام، والذى دخل إلى بلدنا إنما دخل مستأمنا ومعاهدا، دخل إلينا بما يسمى بـ«الفيزا»، وهى تعد أمانا، وبالتالى لا يجوز لأى أحد أن يطاله، وهذه الأحكام أوضحناها على منبرنا الدعوى من أجل مصلحة وطننا، ولم نقلها تملقا لأحد.
لكن فى المقابل يا فضيلة الشيخ، هناك من ظهر على القنوات الدينية محرضا وداعيا للمسلمين إلى الخروج فى مظاهرات بحجة ما أسموه باختطاف الكنيسة لكاميليا شحاتة؟
قمنا بفتح ملف الفتنة الطائفية، وعالجناه بأمر الله بالضوابط الشرعية، وبلغة هادئة أدت إلى الأثر الطيب، بدليل أن غير المسلمين شهدوا لنا بذلك، لم ندعوا إلى مظاهرات، لأننا نؤمن بأن التغيير يكون بالعودة إلى كتاب الله، ولهذا نقول دائما تصحيح العقيدة، وتصحيح ما فسد فى التعامل معها، هذا إلى جانب إعلاء قيمة العمل والانتاج والإبداع، ثم قلت أنا شخصيا فى قضية الأخت كاميليا شحاتة، إنه لا يمكن إكراه أحد على دخول الإسلام أو أى دين، قال الله تعالى: «لا إكراه فى الدين»، قلت ليس من حق أى أحد أن يلزم أحدا بالدخول فى الإسلام أو أى دين آخر مكرها، وانتهت الأزمة، والشاهد أنه لا يستطيع أحد أن يزايد علينا فى حب بلدنا وحرصنا عليه، ولا أقول ذلك من موقف ضعف واستجداء بسبب الأزمة التى نحن فيها الآن، فأنا أقوله قبل وأثناء أزمة كاميليا شحاتة، وأقوله الآن، فهذا معتقدى الذى لا أحيد عنه.
إذا كان هذا هو منطقكم الواضح والبناء فى مسألة الفتنة الطائفية، لكن فى المقابل كنت كمن يدعو إلى الخروج على القوانين فيما نسب إليكم من فتوى، تدعو فيها من يجد قطعا أثرية فى بيته أن يحتفظ بها، ومع حالة الغضب التى تولدت عن هذه الفتوى، ربما يشعر البعض أن إغلاق «قناة الرحمة» جاء ردا على هذه القضية بكل ما تولد عنها من تداعيات؟
الفتوى واضحة، وألخص ما ذكرته فيها، وهو يعود إلى جماهير أهل العلم، فأنا لا أجرؤ على أن أقول شيئا خارج القرآن والسنة، كما لا أجرؤ على أن أسبق أهل العلم، أنا قلت إن أباحنيفة والشافعى ومالك وأحمد وأبو يوسف، وآخرين قالوا إن ما يخرج من باطن الأرض من مال ومعدن مثل الذهب والفضة والحديد والنحاس والزئبق وغيرها، يسمى ركازا، حكمه إن وجد فى أرضى أنا التى أمتلكها، فهذا حقى ساقه الله سبحانه تعالى إلى، ورزقنى به من حيث لا أحتسب، وقلت إنه ليس من حق مجلس أو من حق دولة، أن يسلبونى هذا الرزق، أما إن وجد هذا فى أرض ملك للدولة، فليس من حق أحد أن يتاجر به أو يسرقه، أما الآثار فقلت عنها أن لولى الأمر أن يقيد بعض المباح للمصلحة العامة، فإن رأت الدولة أن الآثار لا تندرج تحت «الركاز« باعتبارها عملا بشريا وصناعة يدوية، وباعتبارها حضارة للبشرية، وملكا للتاريخ الإنسانى كله، وقلت بصريح العبارة، أنه لا يجوز لأحد أن يتاجر بها لكل الأسباب السابق ذكرها، لكن حمّل كلامى بمعان أخرى، مما اضطرنى إلى إعادة التوضيح، وهذا ليس عيبا.
كلامك عما يستخرج من باطن الأرض ذكرت فيه المعادن، وبالتالى فإنه وعلى سبيل المثال لوجد أحد البترول فى أرضه، قد يستند إلى ما ذكرته ويتمسك بأن هذا حقه.
إذا رأت الدولة أن هذا حق لها، وليس من حق الأفراد، فهذا يكون ملكية عامة، وأرى فى مثل هذه الحالات أن تقوم الدولة بمكافأة هؤلاء الذين ساق لهم هذا الخير مكافأة مجزية، لتكون تشجيعا للأفراد بأن من وجد منهم هذه الأشياء عنده فليبلغ الدولة بها.
هذه فتوى تفتح الحديث عن باب الاجتهاد فى الإسلام، خاصة وأن هناك من يرى أن إغلاقه تسبب فى حالة التضارب التى نشاهدها الآن ونتج عنها حالة الضعف التى نحن عليها.
من رحمة الله عز وجل أن الأصول الشرعية أربعة، الأول هو كتاب الله عز وجل، والثانى السنة الصحيحة الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، والأصل الثالث هو الإجماع حتى لا يجتهد المجتهد فى مسائل الإجماع، وإنما يجتهد فى الخلاف، أما الأصل الرابع فهو القياس، ومعناه أن يرد العالم المجتهد المسكوت عنه إلى المنطوق به، وأن يرد الفروع إلى الأصول، وباب الاجتهاد لم يغلق فهو سيبقى مفتوحا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهناك شروط لمن يجتهد، تتمثل فى أن المجتهد لابد أن يكون عالما بالأدلة والعام والخاص والمحكم والمتشابه، وعالما باللغة وبالناسخ والمنسوخ وغيرها، وإن كنت أرى فى ظل هذه الأيام التى نعيشها، أن زمن العالم الأوحد قد مضى.
ماذا تعنى أن زمن «العالم الأوحد» قد مضى ؟
معناه أنه لم يعد الآن بمستطاع أحد أن يفتى فى كل شىء، ولهذا أنا أثمن فى هذا العصر دور المجامع الفقهية، فهى تستقطب عددا من المتخصصين فى المسائل المبحوثة، كمسألة زراعة الأعضاء، وموت الدماغ، وأرى أنه لا ينبغى لعالم واحد أن يتصدر فى مثل هذه القضايا بالفتوى، وإنما تأتى من متخصصين تجمعهم مجامع فقهية، يعرضون رؤيتهم العلمية فيها، ثم يقوم علماء الشريعة بإصدار الفتوى، فالمفتى لا يصدر فتواه إلا بعلمين هما، الأول فهم الواقع، والثانى فهم الواجب فى الواقع، أى فهم الأدلة الشرعية المسحوبة على واقع المسألة المدروسة.
لم تتحدث عن دور العقل فى الاجتهاد، وهو الدور الغائب الذى يرد البعض إليه أسباب تخلفنا.
الإسلام يقدر دور العقل جدا ويزكيه، بشرط ألا يعلو العقل قدره، وألا يتجاوز حده، فالعقل ليس حاكما على النص، وهذا هو مكمن الخلاف بدقة بين أهل السنة وكل الفرق المخالفة، أهل السنة يرون أن العقل ليس حاكما على النص، بل يجب أن يعمل العقل فى فهم النص وتدبره، ونحن لا ننكر دور العقل، وما أكثر الآيات القرآنية الكريمة التى تذكى العقل ودوره، أما أن نجعله طاغوتا لنحكم به على صريح النقل القرآنى، وصحيح النقل النبوى، فهذا تجاوز كلى لأصول أهل السنة والجماعة.
كيف؟
قد أذكر الآن نصا قرآنيا ونبويا، فتقول لى أنا لا أقبل هذا لأن عقلى ينكره، فأرد عليك بأن عقلى يقدره، وفى هذه الحالة سيأتى السؤال: أى عقل سنأخذ به؟، وبالتالى سنجد دين الله ألعوبة بين العقول، والصحيح فى هذه الحالة أن يعمل العقل فى فهم النص وتدبره، والعودة إلى البحث عن صحته، فإن كان نبويا عليه أن يثبته بالقواعد التى وضعها علماء الحديث المتخصصون من ناحية السند والمتن وغير ذلك.
ما نقصده فى مسألة اجتهاد العقل ليس الاصطدام بالنص الصريح، ولكن هؤلاء الذين يغيّبون العقل وقت النظر إلى المستجدات التى تطرأ على مجتمعاتنا، فحين ينظر هؤلاء إلى تلك المستجدات، قد نجدهم يقيسون الأمر على عصور الإسلام الأولى التى تختلف عما هو الآن.
لوكان ذلك كذلك، لما ظهرت أجوبة بديعة من المجامع الفقهية على كل نازلة من النوازل، التى استجدت فى العصر الحديث، لم يتكلم عنها علماؤنا السابقون، وهذا دليل على أن باب الاجتهاد مازال مفتوحا، لأن الأمة لها متطلبات وحاجات تجدّ كل يوم، فنحن نسابق الزمن.
أعود معك إلى ما طرحته قناة «الرحمة» منذ شهور، حول القول بأن اليهود «أحفاد القردة والخنازير» وهو بقدر ما وصفه البعض بخطأ الاجتهاد فى النص بطريقة أو بأخرى، يرتبط أيضا بالفتنة، ونتج عنه وقف بث القناة على النايل سات، بعدها مباشرة.
حين تم إغلاق «الرحمة» فى المرة الأولى قيل لنا إن هذا الكلام كان ضمن أسباب الغلق، لأنه يعادى السامية، لكن ما أود ذكره الآن لله، أن القول بأن «اليهودأحفاد القردة والخنازير» هو قول خاطئ تماما، فهو قول لا يصح قرآنا ولا سنة ولا اعتقادا، ولا أقول ذلك انهزاما ولا انكسارا، وإنما اعتقادا وتدينا، ففى صحيح مسلم، أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لم يجعل الله تبارك وتعالى لمسخ عقبا ولانسلا»، وبذلك حسم النبى القضية، أما الحكم عليهم بأن منهم من مسخ قرادة وخنازير، فهذا حكم ربى،: «قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله، من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل» صدق الله العظيم، هذا قرآننا لا نخجل منه أبدا، فلقد شاء ربى وقدر، أن يمسخ لا أقول كل أهل القرية الذين اعتدوا يوم السبت، وإنما مسخ الله بعضهم، لأن أهل القرية كما قال أئمتنا انقسموا إلى ثلاث فرق، الأولى هى فرقة الآمرين بالمعروف والناهين لهم عن المنكر، والفرقة الثانية هى فرقة السلبيين الذين نظروا وأعرضوا وأداروا ظهورهم، والفرقة الثالثة هى الفرقة المعتدية التى مكرت وخادعت ربها سبحانه وتعالى وتحايلت على أمر الله.
والشاهد أن الله مسخ المعتدين منهم قردة وخنازير بنص القرآن، وهى عقوبة عادلة لأولئك الذين استهزأوا بحكم الله، ولا نقول أن لهم نسلا، وإنما هؤلاء الذين مسخوا.
ماذا فعلتم من إجراءات لتدارك خطر مثل هذا الكلام الذى لم يضع القصة فى سياقها التاريخى الصحيح، ولم يوضحها بالطريقة التى ذكرتها.
حدث خطأ، وخير الخطائين التوابون، ونحن تداركنا الأمر بالتوجيه والنصح للأخ الذى قال هذا الكلام الذى مازلنا نجنى ثماره حتى الآن.
هناك من يتّهمكم بأن عملكم يأتى ثمرة لعلاقة مع أجهزة الأمن؟
نحن مسلمون ومواطنون نعيش فى هذا البلد، وديننا يلزمنا باحترام القوانين التى يعمل بها، وعدم الخروج عن الضوابط التى تحكم مؤسسات الدولة.
انتم متهمون كتيار سلفى بالترويج للوهابية؟
أولا السلفية ليست حزبا أو جماعة، وإنما منهج يرجع إلى القرآن والسنة بفهم الصحابة رضى الله عنهم، أما أن يختزل البعض السلفية فى الوهابية، فهى مجازفة ومخالفة للحق والحقيقة، وهذا يراد به ختم السلفية بالتشدد، والوهابية ليست حزبا أو جماعة وإنما منسوبة إلى الإمام محمد بن عبدالوهاب الذى ظلم البعض تاريخه.
هذا الخبر نقلا عن جريده اليوم السابع