في جنوب المحيط الهادئ وفي جزيرة إيستر أبعد نقطة عن أي مكان يسكنه الناس تقع فى جمهورية تشيلي وتبعد عن الجمهورية مسافة 3600 كيلومتر، مساحتها 163 كيلومتر مربع وعدد سكانها وصل في آخر إحصائية إلى 3791 نسمة، هذه الجزيرة تحوي أشياء أكثر أهمية من هذه الأرقام المملة.

تاريخ هذه الجزيرة الصغيرة كان حافلاً في الماضي ولا زال هناك كثير من النقاش والجدل وعدم اليقين حول تاريخ إيستر، لأن التاريخ لم يحفظ بأي شكل فلا توجد نقوش أو كتب أو حتى حكايات إسطورية أو شعبية تعطي فكرة عما حدث في الجزيرة، والأهم من كل هذا هي التماثيل الضخمة الموجودة هناك والتي لا يعرف بالتأكيد سبب نحتها.

من هم أول من سكن هذه الجزيرة؟ وهل كان هناك شعب اختفى وجاء بعده شعب آخر يستوطن الجزيرة الآن؟ ولماذا نحتت هذه التماثيل الضخمة؟ ولماذا معظم التماثيل تنظر إلى داخل الجزيرة وليس إلى البحر؟ أسئلة كثيرة يحاول بعض الباحثين اليوم إيجاد إجوبة لها.

قبل 1200 عاماً جاء أول المستوطنين لهذه الجزيرة من بولينيسيا، لعلك لم تسمع بهذا الاسم من قبل، بولينيسيا هي أكثر من 1000 جزيرة منتشرة في جنوب المحيط الهادئ يسكنها شعب له خصائص وثقافة مشتركة وترجع أصولهم إلى جنوب شرق آسيا، هؤلاء هم أول من سكن جزيرة إيستر قبل 1200 عاماً وطوروا ثقافة مختلفة نظراً لانعزالهم عن العالم وبعدهم عن المناطق المأهولة.

بدأ سكان الجزيرة في استهلاك الموارد الطبيعية للجزيرة بسرعة كبيرة وهي الأشجار على اختلاف أنواعها وقد كانت تغطي معظم الجزيرة، بعض الباحثين يقدرون عدد الأشجار قبل وصول الإنسان إلى 16 مليون شجرة لم يبقى منها شيء عندما وصل الأوروبيون للجزيرة لأول مرة عام 1722م.

لأسباب مجهولة بدأ سكان الجزيرة في نحت تماثيل ضخمة من الصخور البركانية، ويعتقد أن الأشجار استخدمت لنقل هذه التماثيل من مكان نحتها لمكان إقامتها كما استخدمت لإشعال النار ولصنع القوارب والمنازل.


كانت التماثيل تنحت مباشرة في صخور جبل ثم تقطع وتسحب من الجبل ويكملون العمل عليها حتى تصبح بالشكل المطلوب ثم تسحب إلى مكان وضعها، بدأ التنافس بين سكان الجزيرة على صنع هذه التماثيل حتى قضوا على الموارد الطبيعية وبدأت المحاصيل في التناقص وبدأ القتال بينهم على الموارد المتبقية، بدأت كل قبيلة في تحطيم تماثيل القبائل الأخرى، فكان التمثال يدفع ليسقط على وجهه ثم توضع حجارة تحت رقبته لفصل الرأس عن الجسم.

هناك من يقول بأن المنتصرين كانوا يأكلون ضحاياهم لسد جوعهم وفوق ذلك جاء تجار العبيد من أمريكا الجنوبية وأخذوا الأصحاء الأقوياء لبيعهم وبقي الضعفاء وكبار السن وبعد ذلك جاء الأوروبيون ومعهم إرساليات التنصير وهؤلاء دمروا ما كان يمكن أن يجعل العالم يعرف قصة ولغة وثقافة الجزيرة، وهذا حالهم مع وصولهم لأي مكان آخر "يكتشفونه."

والأوربيون جلبوا معهم الأمراض التي لا يملك سكان الجزيرة مقاومة طبيعية لها وهكذا مات ربع سكان الجزيرة بعد وصول المستعمرين، وبعد سنوات من الاستعباد والحروب والترحيل لجزر اخرى وصل عدد السكان إلى 111 نسمة، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم ازداد عددهم حتى وصل اليوم لأكثر من 3000 شخص.

هذا باختصار ما استطعت جمعه من شتات المعلومات التي تمكنت من فهمها، كلما قرأت أكثر ازدادت حيرتي لأن هناك معلومات متضاربة وهناك كثير من التخمينات والنظريات التي تخلط الواقع بالخيال.

على أي حال هناك باحثون يعملون في الجزيرة لجمع شتات المعلومات بكل السبل المتاحة ولا بد أن هؤلاء سيؤكدون بعض الحقائق وينفون غيرها، ما أنا متأكد منه هو أن سر بناء التماثيل سيبقى سراً وشكراً "للمتكتشفين" الذين دمروا ألواحاً كانت مفتاحاً لفهم لغة سكان جزيرة رابا نوي ... هذا هو اسمها الأصلي.

التسميات: