أحد الحاخامات أثناء القبض عليه بولاية نيوجيرسى
أحد الحاخامات أثناء القبض عليه بولاية نيوجيرسى




لم يخطر فى ذهن أحمد جودت الملط، مدير نيابة أول أكتوبر، خلال تحقيقه مع أعضاء العصابة الأردنية الذين تم إلقاء القبض عليهم الأسبوع الماضى بتهمة الاتجار فى الأعضاء البشرية هذا السؤال «س: ما هى علاقتكم بإسرائيل؟».. والرجل معذور فالسؤال يبدو بعيداً عن موضوع القضية إذا ما تناولناها منفصلة عن سلسلة أعمال إجرامية كُشف عنها مؤخراً فى عدة دول حول العالم، فكثير من الدلائل بالإضافة إلى بعض الأسئلة المنطقية تشير إلى أنها جزء من أمر أكبر بكثير من مجرد فقراء أردنيين دفعهم فقرهم لبيع «قطع من أجسادهم».

لتكن نقطة البداية من «العصابة» الأردنية التى تم الكشف عنها فى القاهرة.. والتى من الخطأ وصفها «بالعصابة»، فـ«الشبكة الإجرامية الدولية» هو التوصيف الأدق لها، بحسب تعريف خبراء القانون.

المفاجأة فى هذه القضية أن المصريين لم يلعبوا بها أى أدوار رئيسية - رغم أن تنفيذ عمليات البيع على مدار أكثر من عامين كان بالقاهرة ومصر كانت مجرد «مقر» لتنفيذ عملية البيع، ونقطة التقاء بين الأطراف الثلاثة السمسار والبائع والمشترى، الأمر الثانى هو جنسية الأشخاص محل تلك الصفقات فهم وإن كانوا يحملون جوازات سفر أردنية، لكن أغلبهم من اللاجئين الفلسطينيين فى الأردن والمجنسين بجنسيته.

أفراد الشبكة الذين ألقى القبض عليهم فى مصر ليسوا هم جميع أعضاء ذلك التشكيل الإجرامى فاعترافاتهم تشير إلى أن هناك أفرادا آخرين لم يتم القبض عليهم. فالأنشطة المختلفة للشبكة متواجدة بثلاث مناطق «دول الخليج، الأردن، مصر»، وهو ما يجعل من المنطقى أن يكون لها ممثلوها فى عدد كبير من الدول الخليجية، وهؤلاء مهمتهم البحث عن المشترى ثم يحددون احتياجاته من «قطع الغيار البشرية»، ويرسلون «الطلبية» لأعضاء الشبكة بالأردن، التى يتواجد بها الراغبون فى بيع قطع من أجسادهم، وهؤلاء دورهم البحث عن البائع المناسب ، الذى يطلق عليه المتبرع، والاتفاق معه على السعر، حتى نصل إلى دور «فرع» الشبكة فى القاهرة.

ما سبق يفرض علينا أسئلة عديدة: لماذا الأردن دون غيرها من البلاد العربية؟ لماذا الشباب الأردنى من أصل فلسطينى تحديدا؟ مع أنه توجد دول عربية كثيرة تعيش ظروفا اقتصادية أسوأ عشرات المرات منها، ربما نجد إجابة مقنعة إذا طرحنا على أنفسنا هذا السؤال «من هو الأكثر تورطا فى هذه التجارة، والأكثر قرباً من مصر والأردن والذى يستهدف الفلسطينيين وثبت تورطه فى تجارة أعضائهم؟ أليست إسرائيل؟».

السبب الذى يثير الشبهات حول الإسرائيليين قصة أخرى لشبكة إسرائيلية تتاجر فى أعضاء بشرية لم يعرف مصدرها حتى الآن، ولا يفسرها سوى أن تكون «الشبكة» الأردنية سالفة الذكر جزءا منها، والميل إلى ذلك الربط يدفعنا إليه زعيم الشبكة بالقاهرة وسنعود لما قاله بعد أن نتحدث عما أطلقت عليه وسائل الإعلام الأمريكية «قضية الفساد الكبرى».

المصادفة وحدها هى التى قادت المباحث الفيدرالية نهاية يوليو الماضى للقبض على «تنظيم نيوجيرسى»، فمنذ 10 سنوات اعتقل إسرائيلى متورط فى عملية «بسيطة» للاحتيال على المصارف، واكتُشف أنه عضو فى شبكة إجرامية إسرائيلية، وبعد صفقة بينه وبين الـFBI، أفرج عنه مقابل أن يتحول إلى «مخبر»، حتى نجحت الـ FBI فى الإيقاع بجميع أفراد الشبكة فى أمريكا، والتى اتضح أنها متخصصة فى عدة أنشطة إجرامية، على رأسها «الاتجار فى الأعضاء البشرية»، أما قيادات «الشبكة» فهم حاخامات يهود، ثبت أنهم جزء من شبكة دولية، يلعبون فيها دور همزة الوصل بين فرع «الشبكة» فى أمريكا، ومقر الإدارة الرئيسية لها الذى ثبت أنه «إسرائيل».

المعلومات قادت الـFBI للكشف عن أن «تنظيم نيوجيرسى» جزء من شبكة أكبر تغطى العالم كله، وتم تحديد فروعها ودور كل منها كالتالى: الولايات المتحدة متمثلة فى مدينة نيوجيرسى ومنها تدار أنشطتها فى أمريكا كلها، وسويسرا لإدارة الأنشطة فى أوروبا، وإسرائيل الإدارة الرئيسية. إلى هنا وصلت التحقيقات الأمريكية لأقصى ما استطاعت، وبقى أمامها لغز لم تستطع حله.. «من أين حصلت الشبكة على الأعضاء البشرية التى تاجرت فيها؟».

لم تتوافر سوى معلومات متناثرة عن أسر يمنية تتهم «تنظيم نيوجيرسى» بخطف أبنائها إلى أمريكا وسرقة أعضائهم، وهو ما جعل الاحتمالات تقود إلى المكان المتبقى الذى لم يحدد طبيعة نشاط «الشبكة» فيه وهو «الشرق الأوسط»، ومن هنا نعود إلى تصريحات زعيم «الشبكة» الأردنية فى القاهرة حمزة عبدالمطلب، لجريدة الشروق والتى قال فيها «فقراء الأردن يبحثون عن العصابات الدولية لبيع الكلى ويتم الاتفاق على تنفيذ العملية خارج الأردن فى إسرائيل أو مصر»، مؤكداً أن «أسعار عمليات نقل الأعضاء فى إسرائيل أرخص بكثير عن مصر»، مشيراً إلى أن التجار الدوليين فى الغالب يختارون «الفلسطينيين من سكان مخيم البقعة»، حمزة بدا من كلامه أنه يعلم جيداً كيف تسير تلك التجارة فى إسرائيل خاصة عندما أضاف: «فى إسرائيل عمليات نقل الأعضاء تتم بسهولة شديدة، وأسعار زهيدة، وهناك مستشفيات متخصصة فى تلك العمليات، والقانون الإسرائيلى يوفر جميع التسهيلات للمرضى والبائعين».

وهو ما يجعل من غير المستبعد أن يكون سبق لحمزة تنفيذ عمليات فى إسرائيل، وهذا ما يذهب بنا نحو احتمالية أن تكون إسرائيل تتاجر فى الأعضاء البشرية العربية تحت «غطاء عربى».

وهذا له ما يبرره فبالتأكيد أثرياء الخليج أكثر المشترين لهذه السلعة - لن يثقوا فى سلامة «الأجزاء البشرية» المباعة لهم من إسرائيليين، لكن فى حالة تأسيس فرع عربى للشبكة، يديره عرب فهذا أفضل، خاصة أنهم أردنيون، وهم أكثر العرب الذين يستطيعون التعامل مع الإسرائيليين بسهولة، بسبب القرب الجغرافى بين البلدين، وسهولة حركة التنقل بينهما، والتطبيع الذى يربطهما.

هناك لغز آخر فى قضية «الشبكة الأردنية» بالقاهرة وهو مستشفى «دار الفتح الطبى»، مقر إجراء عمليات نقل الأعضاء من الباعة للمشترين، والتى يملكها الدكتور أحمد عبدالعزيز مساعد الجراحة العامة بطب الأزهر، فهناك «تغطية غير مبررة من السلطات المصرية على تورطه فى القضية» والكلام لعمرو مصطفى أحد مسئولى المكتب الإقليمى للائتلاف العالمى لمكافحة الاتجار فى الأعضاء البشرية COFS، مؤكدا «ثبت منذ 3 سنوات قيام أحد مستشفياته بعمليات نقل أعضاء بشرية بالمخالفة للقانون، وأغلق المستشفى، ثم عاد إلى نفس نشاطه بتصريح رسمى من وزارة الصحة»، والمفاجأة أن ظروف القضيتين واحدة «تجار أردنيون، مشترون خليجيون، أما الباعة فسوريون وفلسطينيون من مخيمات اللاجئين بسوريا»، الدكتور حمدى حسن عضو لجنة الصحة بمجلس الشعب، يقول «كل شىء وارد أن تكون لدينا عصابات دولية لتجارة الأعضاء ما دام لا يوجد قانون لتنظيم نقل الأعضاء، وإذا وجد فثقافة عدم احترام القوانين فى مصر، تنذر بأن الأمور ستزداد سوءاً، وإذا لم ينشط الإسرائيليون فى تلك التجارة الآن فسينشطون قريباً».

التسميات: ,