جزيرة الجفتون

اخيرا عاد الي تلك مدينة الغردقة التي طالما راودته عن نفسها مرارا...تعود الذهاب اليها وحيدا..هناك يشعر بالانطلاق عند سيره علي الشواطئ ممتطيا صهوة الهواء الذي اختفي من سماء المدن الموغلة في التلوث..يرتدي ملابس البحر حتي لو لم يذهب اليه..يفتح اشرعة صدره للريح ...يمشي احيانا حافي القدمين..تغمره السعاده بابتعاده عن وسائل الاعلام الغارقة في اختلاق الهذيان..وعن القنوات التي اصابها العقم وعن تلك الحكايا الرتيبة علي المقاهي...وعن تلك الفتاوي التي تغزل وتغازل من يهمه الامر..كان المساء صحوا ورائحة البحر تتسرب اليه وتواري سؤة الاشهر الماضية..ها هو ذا يقترب من ذلك الكازينو الذي زاره ذات مره..وجوه العاملين بالمكان توحي بحفاوة بالغة..ارشده احدهم الي مقعد قريب..فضل ان يغير ما اختاره له رغبة في الاحساس بان عليه ان ينتقي شيئا ما بارادته في حياته حتي وان كان مقعدا..هناك زاوية هادئة وضؤ خافت..جلس محاطا بموسيقي ناعمة..رغم كثرة المرتادين الا انه احس بالسكينة..الفرقة الموسيقية لا تالو جهدا في ارضاء الزبائن..هو لا يطلب شيئا بعينه..لكنه سعيد بتلك الوجوه التي بدت مبتهجة..اشعل سيجارته بطريقة مختلفه مغلفة بانفاس البحر..الشاي لا يقلل من نكهته سوي زجاحة الماء المعدنية التي قدمت له رغما عن ارادته..راها هناك تنظر اليه بابتسامة حانية افقدته التفكير في امر تلك الزجاجة التي وترت اعصابه..لم يرها من قبل لكنها فاجاته بتلك اللفتات التي انس بها..فكر في تغيير مقعده والجلوس قريب منها لكنه الشئ الوحيد الذي اختاره ربما في حياته..راها تختلس النظر اليه..كلما امتدت يدها نحو كاسها رفعته عاليا تحية له..شعر بان عليه ان يعاملها بالمثل لكنه فضل ان لا يلفت الانتباه اليه..شعر بارتياح غير مستعار ان صادفته..تغيرت نغمات الفرقة الموسيقية الي نغمات شعبية توحي باستدعاء الزبائن الي الرقص علي المرح..لم يعتد التصفيق عند السماع..رفعت كاسها ..اشارة اليه بالصعود الي خشبةالمسرح..بادلها التحية الصامته والاعتذار عن المشاركة..كان شعرها المتدلي مرفرفا حتي صدرها الذي كاد ان يقفز متجاوبا مع دقات الطبلة التي اصابت عازفها بتدفق العرق...التصفيق لم يتوقف كلما كشف الهواء عن ساقيها اللتان لفتتا الانظار ...لكنها كانت تخصه بنظرات مختلفه..ود لو استلهم روح كيوبيد وسهامه..لكنها اثرت ان توفر عليه العناء ..ارسلت له قبلة جعلته يطلب فنجانا من القهوة بلا مياه معدنية..ما ان عادت الموسيقي الهادئة الي الاذان حتي نزلت من اعلي..فرغ من قهوته..اشارت اليه بالخروج..اربكه الشعور برغبتها في لقائه..القي بالحساب علي طاولته..خرج مسرعا خلفها..تعجب انها مدت اليه يدها قبل ان يواجهها وهي تسير الي الامام...هم بملامسة يديها..شئ ما يعانق الارض طولا..لحيته تلامس الاقدام ..تمتد يده اليها وعلي وجهها شئ لم يستطع فريد ان يقراه.